الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث «الستاغ» تُهدي أحدا مظلما للتونسيين... عاد التيار الكهربائي وبقي لغز الانقطاع

نشر في  03 سبتمبر 2014  (11:47)

لساعات خيم الظلام على بيوت التونسيين.. ليلة الاحد الفارط غاب النور الكهربائي على كل الـمدن.. عشاق الرياضة غادروا شاشات التلفزة مُكرهين. رُواد المقاهي كانوا مضطرين الى التخلي قسرا عن طلب كؤوس القهوة و تناول  الشاي بعد أن توقفت الاجهزة الكهربائية عن إعداد القهوة. أما شوارع الـمدن فقد خلت إلا من نفر قليل داهمته ظلمة الليل. بينما اغلقت معظم الـمحلات التجارية ابوابها خوفا من عمليات سلب قد يحدثها بعض الـمارقين.. ساعات صعبة قضاها التونسيون على ضوء الهواتف الـمحمولة و الشموع بعد ان كفت الفوانيس عن الاضاءة و صامت الاجهزة الكهربائية عن الاشتغال.

عدا بعض المؤسسات الاستشفائية العمومية التي تتوفر فيها مولدات كهربائية، طال الشلل محطات الوقود والمعامل والصيدليات والقطارات الكهربائية والقنوات التلفزية والاذاعات. بالمناسبة احدى الصحف الاسبوعية بالكاد تمكنت من طباعة عدد يوم الاثنين بعد ان غاب التيار الكهربائي على المطبعة ليلة الاحد. الحياة كانت شبه متوقفة خلال الأوقات العصيبة التي حل فيها الظلام بدل النور والحيرة عوض الطمأنينة و التوجس من آت مجهول بدل وضوح للرؤية..
 لذلك استقبلت العودة الميمونة للتيار الكهربائي بزغاريد النساء و تهليل الاطفال وعودة الروح والحركية الى الشوارع الخالية، لكن السؤال الذي ظل يلح على التونسيين هو : ما الذي حصل ؟ من وراء هذا الانقطاع المفاجئ للكهرباء؟

تبريرات الستاغ

دقائق فقط بعد أن عمّ الظلام على كامل تونس، يوفق الرئيس المدير العام للشركة في معرفة سبب هذا الخلل قائلا في تصريح صحفي  إن «عطبا مفاجئا طرأ على شبكة الضغط العالي للشركة، مؤكدا أن «الشركة جندت كل موظفيها لإصلاح هذا العطب في أقرب وقت ممكن». ثم  تهاطلت التبريرات ليقدم مدير إنتاج ونقل الكهرباء بالشركة التونسية للكهرباء والغاز اعتذار الشركة مبينا أن منظومة الكهرباء في تونس متكاملة وأي عطب قد يطرأ بإحدى المحطات قد يؤثر على توزيع الكهرباء بكامل البلاد على غرار الدول المتقدمة. قبل ذلك هناك من قال ان عطبا فنيا بمحطة غنوش في قابس هو الذي أدى الى غرق البلاد في عتمة الاحد الفارط. اما الجامعة العامة للكهرباء والغاز فقد اصدرت بيانا برأت فيه منظوريها من فرضية وقوفهم خلف هذا الانقطاع المفاجئ، مؤيدة الاحتمال الاول القائل بوجود خلل فني وراء كل هذه اللخبطة. بعيدا عن كل هذه التبريرات، لنلق نظرة عابرة على وضعية الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

منظومة معلوماتية متضاربة

اشار التقرير 26 لدائرة المحاسبات الى وجود عدد من النقائص التي شابت المنظومة الاعلامية للستاغ بمختلف فروعها إذ كشفت نتائج استبيان قامت به دائرة المحاسبات عن لجوء 58% من الاقاليم الى تطبيقات تم تطويرها او اقتناؤها بصفة فردية وهو ما يعسّر اندماج هذه التطبيقات مع منظومة المعلومات المركزية.
كما اتضح افتقار الشركة الى مخططات لاستمرارية النشاط والى مركز تخزين احتياطي للمعطيات المتعلقة بالحرفاء ما قد يعرض نشاطها الى اضطرابات لا تحمد عقباها في صورة تلف التجهيزات الاعلامية او تعطل المنظومات.
ولوحظ على صعيد انتاج ونقل الكهرباء غياب قاعدة بيانات مركزية تشكل مجمل المعطيات المتعلقة بالأعطاب الطارئة على وحدات الانتاج وشبكة النقل، علما ان قاعدة بيانات المركز الوطني لتوزيع الاحمال لا تشتمل على عدد ساعات عدم الاستغلال لكل وحدة انتاج وتاريخ وساعة اعادة تشغيلها.

ارتفاع في التوقفات غير المبرمجة

ووفق تقرير دائرة المحاسبات فقد بلغ عدد التوقفات غير المبرمجة لوحدات الانتاج في 2007-2009 ما يقارب 201 توقفا اي بمعدل تسعة ايام لكل توقف. بينما استاثرت المراكز الاساسية لتوليد الكهرباء بحوالي 60% من اجمالي الاعطاب.
وخلافا لتوجهات الشركة الرامية الى تامين اعلى نسبة اتاحة لوحداتها خلال الفترة الصيفية،تبين ان هذه الفترة بالذات قد شهدت حوالي 73 توقفا غير مبرمج. كما لوحظ ان 51% من وحدات انتاج الشركة خاصة منها الاساسية قد عرفت تراجع النسبة اتاحتها خلال الفترة 2007-2009 بسبب ارتفاع توقفاتهاغير المبرمجة.
و اظهر تقرير دائرة المحاسبات ان العدد الجملي لانفصلات المحولات التي ترتب انقطاع للكهرباء قد سجل ارتفاعا من 12 انفصال في 2007 الى 16 انفصال في موفى 2009 بسبب تزايد الخلل في الحمايات الداخلية.

معلومة لا تصل بالسرعة المطلوبة

كما اتضح ان الشركة التونسية للكهرباء والغاز لم تتول اتخاذ اجراءات تغطي مجمل حالات التبليغ لحوادث شبكة التوزيع. كما اظهر استبيان ان غياب هذه الاجراءات افضى الى اعتماد طرق متباينة لتبليغ المعلومة لمختلف المتدخلين مما لا يضمن توفير المعطيات الضرورية للمصالح المعنية لاتخاذ التدابير اللازمة.
ولتوفير معطيات حينية حول وضعية شبكة التوزيع تم سنة 2008 تركيز ستة مكاتب قيادة للكهرباء اضافة الى مكتب بصفاقس. لكنه لوحظ عدم ربط هذه المكاتب بمركزية تونس بما نسبته 40% من مراكز تحويل المعلومة.
كما تبين ان معدل مدة ارجاع الكهرباء في تونس العاصمة يستغرق 14 دقيقة فيما يصل الى 18 دقيقة في صفاقس.

صيانة المعدات

خلافا لبرامج الشركة الرامية الى اعتماد منظومة صيانة بالحاسوب فان اغلب اعمال الصيانة لا تزال يدوية. كما تراجعت النسبة الجملية لانجاز اعمال الصيانةالوقائية من خلال المعاينات الارضية والمعاينات على الاعمدة في الاجال المحددة من 73% سنة 2007 الى 71%سنة 2009.
هذا العرض البسيط الذي تضمنه التقرير 26 من دائرة المحاسبات يكشف عددا من الاخلالات التي تطرأ على نشاط الشركة التونسية للكهرباء والغاز الشيء الذي يتسبب في كثرة االإنقطاعات الكهربائية بل و يجعل من دخول بعض الاطراف على خط قطع التيار الكهربائي امرا جائز في ظل ضعف منظومة رقابية صارمة و تقادم للتجهيزات.

أسئلة للستاغ وللحكومة

انجلت عتمة الاحد المظلم ولم تنجل بعد تفاصيل الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي الذي عم كامل تونس. حتى التصريحات والبيانات الصادرة عن شركة «الستاغ فضلا عن عدد من مسؤوليها ، كلها تختصر الامر في عطب فني في احدى المحطات. في سوسة او قابس، لا يهم المكان . ما يهم هو كيف لخلل فني في منشأة كهربائية باحدى المدن ان تنشر عدوى الانقطاع الكهربائي الى باقي المدن الاخرى؟ ما الجدوى اذن من وجود ما لا يقل عن 45 محطة لتوليد الكهرباء او نقله؟ كيف لها ان تكون كلها مترابطة كخيوط العنكبوت؟ ام هناك في الامر سرا او لغزا عصياعن ادراكنا؟
ثم ان التصريحات المتتالية لمعشر المسؤولين لشركة الكهرباء الموقرة من شأنها لفت انتباه كل متربص بها وبالتونسيين الى سهولة المس من امننا الكهربائي بكبسة زر او قطع سلك ناقل للتيار. لهذه الدرجة اصبح الامر سهلا ومتاحا.
هل لهذه الشركة منظومة واضحة لحماية محطاتها من اي اعمال تخريبية؟ اليس من واجب القائمين على شؤون هذه البلاد توفير حراسة لصيقة لمختلف المنشآت الحياتية الحساسة على غرارمؤسسات «الستاغ» و»الصوناد» ؟ أسئلة حائرة تظل في حاجة الى اجابات و تفسيرات وتدابير عاجلة ايضا.

محمد الجلالي